إن الشباب عماد الوطن ومستقبله، بل المستقبل الواعد نفسه ، والأمل القادم ... والمجد المنشود ... والعز المفقود ... هم محط أنظار الأمة ومعقد رجائها، ومصدر تفاؤلها -بعد الله- إليهم ستؤول مقاليد الأمور، وعليهم تقع أمانة قيادة وطنهم وأمتهم، إلى مدارج الصدارة والرقي، وعلى أكتافهم تقع مسئولية حماية الدين والوطن، وصيانة حدوده والذود عن مقدساته، والنهوض بمستوى مواطنيه الثقافي والفكري والحضاري ... وإعداد قوته علميًا وعسكريًا، واقتصاديًا وصناعيًا ... وهم المسئولون وحدهم عن نشر القيم الإسلامية السمحة، وما تضمنته من رحمة وعدل، ومحبة وتعاون ... حتى يعم الخير ويسود العدل أرجاء المعمورة ، فبقدر ما يكون عليه شبابنا اليوم، نكون عليه غدًا.
لذا كان لزامًا على الجهات المعنية، بالتربية والتعليم، والتوجيه والتثقيف، والإرشاد والترفيه، على اختلاف مهامها، وتنوع مواقعها، أن تؤدي أدوارها في العناية بالنشء، تربويًا وعلميًا، وثقافيًا وصحيًا، بشكل تكاملي، وتهيّئ كل المتطلبات الكفيلة ببناء الشخصية الوطنية المسلمة، المتوازنة ذات الطموح العالي، والوطنية الصادقة، والاعتقاد السليم، والانتماء الشديد للوطن وقادته وعلمائه، المتمسكة بالوسطية الواعية (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وتحرص على تنمية قدراتهم، واكتشاف مواهبهم، وتوجيه رغباتهم، وتلبية حاجاتهم، وشحذ هممهم، وإذكاء أرواحهم، وصيانة عقولهم من الانحراف، وأبدانهم من العلل والسقام، وتجنبهم مخاطر الوقوع في فخ الفراغ القاتل، ومأزق الجدة المخيف، وهذا ما تؤكد خطورته ثورة الشباب وعنفوانه، وإذا لم تتنبه هذه الجهات المعنية بالتربية...، إلى ذلك والتعامل معه بوعي تام، واهتمام بالغ، ربما يجر الشباب إلى الإحباط والانحراف، فكريًا أو عقديًا، أو سلوكيًا، أو الارتماء في أحضان المخدرات، وبياعيّ الوهم، وضلّال الأفاق، مما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، ويحرم وطنهم من ثروته الحقيقية، ويجعلهم عالة على أهلهم ومجتمعهم، بل معول هدم وتخريب، ونموذج تخلف وانحراف، ونكون نحن كـ(براقش) التي جنت على نفسها.
فحتى لا يكون الأمر كذلك، وحتى نكون خير أمة أخرجت للناس، ونقدم الأنموذج الأفضل - للحياة البشرية جمعاء- المتسم بالعدل والمكتسي بالرحمة والمحبة، والداعي إلى خيري الدنيا والآخرة و-هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم- ، علينا جميعًا -مؤسسات ومجتمعًا وأفرادًا- أن نرعى شبابنا رعاية كاملة، ونربيهم تربية صالحة متوازنة، ونعتني بهم عناية شاملة، ونهيئ لهم الفرص المناسبة، لتنمية ذواتهم واكتشاف مواهبهم وإشباع رغباتهم وتوجيهها نحو الأسلم والأقوم ، ونغرس في أنفسهم القيم الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، ونعزز بأنفسهم الثقة والفخر بلغتهم وتاريخهم المجيد، وهذا كله حتى لا يتحقق معنى قول الشاعر:
إن الفــراغ والشباب والجــــدة ... مفسدة للمرء أي مفسدة
هذا والله من وراء القصد ...