أمر الله تعالى المسلمين بتدبر القرآن فقال جل من قائل: (أفلا يتدبرون القرآن) واستجاب لذلك جمع غفير من السلف الصالح فتدبروا القرآن وتفكروا فيه، وأخرجوا منه أحكاماً تفيد دنياهم وأخراهم، وعملوا به وقدموه على كل شيء، وكانوا يستخرجون منه الحكمة كما يستخرجون الأحكام، وكان الصحابة إذا تعلموا عشر آيات لم يتجاوزوهن إلى العشر الآخر حتى يعلموا ما فيهن، ويعملوا بما فيهن، فتعلموا العلم والعمل.
هكذا كان حال السلف، ولن يستقيم لنا حالنا اليوم إذا قنعنا فقط بالتلاوة دون الفهم والتدبر، وإنك لتجد رجالاً ونساءً يكبون على القرآن تلاوة ويتنافسون في ذلك وهو أمر حسن لكن حالهم أبعد ما تكون عن القرآن، وكأنهم اكتفوا من القرآن بالتلاوة دون العمل به، وهذا على الحقيقة عامل كبير من عوامل تخلف المسلمين وضعفهم وذلهم وهوانهم.
وقد كان للسلف رضي الله عنهم كلام حسن في تدبر القرآن العظيم وتفهمه وأثره على النفوس، فمن ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: "ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون"، وكلامه هذا منصب على من قرأ القرآن فتدبره وفهمه واتعظ به وعمل بأوامره واجتنب نواهيه، وقال محمد بن كعب القرطبي: "كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه"، يشير إلى سهره وطول تهجده ، وهذا منبعث من تدبره وتفهمه، وقال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ قال :إن عجائب القرآن أطرن نومي