إن المتأمل في واقع مجتمعنا ليصاب بوجل شديد جراء طغيان الرفاهية و التنعم عليه ، و قد علم من السنن الكونية أن الترف سبب لفساد الأمم و من ثم هزيمتها و سقوطها ، بل و أشد من ذلك من الركون إلى الدنيا و رغبتها عن الآخرة . ومع أن الترفه هو التوسع في النعمة كما في المفردات للراغب ، إلا أنه لم يرد في القرآن إلا في مورد الذم و الاقتران بالكفر و العصيان
قال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [ سبإ: 34]:
" فأخبر أن السبب في ردهم لدعوتهم كونهم مترفين، فدل على أن الترف : هو الانغماس في نعيم الدنيا ولذاتها، والانكباب عليها، والتنوُّع في مآكلها ومشاربها ومراكبها، والإسراف في ذلك يحدث في الإنسان خُلقاً خبيثاً يمنعه من سرعة الانقياد لأمر الله ، والاستجابة لداعي الله ،
وكما أنه ثابت واقع في أصل الدين فإنه واقع أيضاً في شرائعه و فروعه؛ فكم منع الترفُ من عبادات! وكم فوّت مِن قربات، وكم كان سبباً للوقوع في المحرمات؛ فإن الترف وكثرة الإرفاه تُصيّر الإنسان شبيهاً بالأنعام التي ليس لها همٌّ إلا التمتع في الأكل والشرب! وكذلك يُرَهِّل البدنَ ويُكسِله ويُثقِله عن الطاعات، ويُشغل القلبَ في مرادات النفس ، ومراداتُها كم حملت صاحبها على جمع الأموال من غير حلها! وحملت النفس على الأشر والبطر، والرياء، والفخر والخيلاء، والاستكثار من قرناء السوء!
وفي الجملة: في الترف والسرف مِن المضار أضعافَ أضعافَ ما ذكرنا ؛ فعلى العبد أن يكون مقتصداً في مأكله ومشربه، وملبسه ومسكنه، وغير ذلك من حوائجه التي لا بد منها؛ فلا يعلق قلبه إلا بما يحتاجه منها، ولا يستعمل زيادة عن حاجته، ويُعوّد نفسه على ذلك؛ لتتمرن النفسُ على الأخلاق الجميلة ويسلم مِن كثير مِن الآفات والشرور المترتبة على الترف؛ ولهذا لما فُتحت الدنيا على المسلمين أيام عمر رضي الله عنه، وكثرت الأموال كان - رضي الله عنه - ينهى المسلمين أشد النهي عن الترف، ويأمرهم بالخشونة والاقتصاد الذي به صلاح المعاش والمعاد
صحيفة التعليم
أحذروا الترف فبه يكون التلف
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/207250/