قبل أن أكون معلمة كنت أعتقد أن التعليم لا يمنح لشاغله التطور المنشود والذي يخول صاحبه لمواكبة التطور المطرد والذي نراه في سباق مع الزمن ، ظننت أن المعلمة ستغرق في عالم من الضجيج و التصحيح والتحضير والذي سيضيف سنوات أخرى لعمرها الحقيقي ، ربما تكوَن لدي هذا الانطباع لما كنت أراه من منظر بائس لمعلمات جمعني بهن القدر ، لكن مع مرور الوقت عرفت أن لكل قاعدة شواذ وهؤلاء لم ينلن لقب المعلمة بجدارة .
والآن وبعد أن استمتعت بجمال التعليم لأكثر من عشر سنوات والتي تعايشت فيها مع ظروف قاسية ، وبيئات متعددة ، ومناهج متغيرة أصبحت أحمد الله ليلاً ونهاراً على ما سخر لي من نعيم جنيته في هذا العالم . فمهنتي كمعلمة أضافت لي الكثير، واختصرت لي سنوات عديدة من الدراسة ، خصوصاً أن شعاري الأساسي في عملي هو – الصداقة مع طالباتي – ومن مقتضى علاقة الصداقة هذه أن أُلم بكل ما يخصهن من جوانب دينية ونفسية وصحية وثقافية حتى أتمكن من مساندتهن في هذه المرحلة العمرية ولأختصر على نفسي الطريق لاكتساب ودهن فمحبتهن لي ستكون مفتاحاً لهن لفهم وادارك وتقبل المادة .وكمثال على التطوير الذي أضافة إليّ التعليم الخبرة في الجوانب النفسية ، فكثيراً ما أتعجب من نفسي كيف أصبحت افرق بين الصادق والكاذب والظالم والمظلوم والناجح والفاشل بهذه السرعة والمهارة ، بل كيف أضحيت قادرة على قراءة لغة الجسد ، فمن نظرة أو حركة يد أو ربما من طريق جلسة من أمامي أعرف أنه يعاني الكثير من المشاكل النفسية ، علمني التعليم هذا دون أن أتخصص في الدراسة النفسية كل ما هنالك أن كل عام أتعرف على ما يفوق المائة شخصية جديدة وأضل أتعايش معها لعام كامل ، نتشارك فيه الفرح والمعاناة يوماً بيوم ، و يليه العام التالي مع مائة أخرى وهكذا بعد عشر سنوات أكون قد درست أكثر من ألف شخصية مختلفة كل واحدة منها تحمل جوانب نفسية مغايرة للأخرى ، هذه الشخصيات جعلتني يوماً أقرأ لأتعرف عليها أكثر ويوماً آخر استشير مرشداً نفسياً لأعرف الطريق المناسب لمساعدة طالبتي . وأيضاً أصبحت خبيرة في أمور طبية عديدة ، فقد أيقنت بضرورة تعلم الإسعافات الأولية لتخطي أي أمر طارئ يستوجب مني التدخل السريع لمساعدة حالة طارئة لأحد طالباتي أثناء الدرس ، أدرك أن تعلم الإسعافات الأولية ضرورة حتمية لجميع الناس لكن أنا لم أتعلمها رغم كل قناعاتي بضرورتها إلا بعد أن أصبحت معلمة . وبالمناسبة الآن يمكنني وبشكل كبير تحديد من يعاني نقصاً في الحديد أو الفيتامينات أو خللاً في الغدة الدرقية ، فهذه الحالات تعاني منها أغلب الطالبات ومن خلال تعايشي المستمر معهن أدركت جميع الأعراض التي توجدها هذه الأمراض ، وهذه إضافة جميلة أضافتها لي مهنتي الرائعة . ومن أروع الأمور التي أضافها لي التعليم أيضاً استمراري في البحث عن التطوير والتعليم في الجوانب التقنية بجميع جوانبها ، فالأجيال تتطور يوماً بعد يوم في هذه الجوانب ، ولأني لم أرغب في أن أجد نفسي أُمية في نظرهن من جهة ، ولأتمكن من إدخال التعليم في عالمهن المتقدم من جهة أخرى ، أصبحت باحثة باستمرار عن كل ما من شأنه أن يزيد ثقافتي وتعلمي لأواكب هذا التقدم المتسارع وأضل في الطليعة دوماً ، ولا أشعرهن في يوم ما أني لا أعرف بسبب تكاسلي عن البحث فيما استجد من علم .
وأخيراً ، فهذه المهنة السامية جعلتني أكثر رقابة على ذاتي فأصبحت أضع دائماً نصب عيني أنا معلمة إذن أنا قدوة . ولهذا أصبحت أكثر نضجاً و أقوم ديناً و أوسع علماً .
شكراً لرب عظيم يسر لي هذه المهنة ، وجعلني أنتظر الغد بفارغ الصبر لأرى زهرات تعلقت قلوبهن بي لينهلن من خبرتي وعلمي ثم منهجي ..