لا شك أن كل إنسان يتميز عن غيره من الناس بسمات ومميزات شخصية قد لا توجد في غيره، وهو ما يسمى اصطلاحًا بـ (الشخصية) ، فشخصية كل إنسان عبارة عن مجموعة من خبراته المتراكمة وتجاربه المتلاحقة وصلاته الاجتماعية و اطلاعاته الثقافية و معايشاته البيئية ، مع الأخذ في الاعتبار المؤثرات العلمية والأكاديمية والمعارف التي تلقاها الشخص في حياته.
أحيانا أتساءل: ما هو السر الذي يجعل كل إنسان يتعلق بماضيه ويحبه ويحب الرجوع إليه، ويستمتع بسرده ونثر ذكرياته بسعادة غامرة في المجالس؟؟ هل فقط لأن هذا الماضي - كما أسلفنا - هو المكون الرئيسي لشخصية الإنسان بما حمله من تجارب وخبرات وعلوم؟ أم لأن الحنين إلى الماضي هو حنين إلى الصبا الزاهر والطفولة البريئة؟ أم أنه شوق إلى البيئة الفطرية والمعالم الطبيعية التي لم تتلوث بمعطيات هذا العصر المادي؟.
لا شك أن الحنين إلى الماضي إنما هو استرجاع حقيقي لكل هذه المكونات التي جعلت من الإنسان شخصًا مميزاً عن غيره في حياته التي يعيشها الآن.
وبرغم أنه قد توافر للإنسان في عصرنا هذا ما لم يتوافر ولو جزء قليل منه لأسلافه من أسباب الرفاهية والدعة والمعطيات المادية والعلمية والمباني الفاخرة والسيارات الفارهة و وسائل التواصل السريعة والمتاحة ، حتى أن بعضهم يقول إن كل إنسان في عصرنا هذا عبارة عن إمبراطور يمشي على الأرض، حيث أنه في الوقت الذي يركب كل واحد منا سيارة سريعة ومكيفة وآمنة ذات مقاعد وثيرة، فإن فرعون الذي ملأ الدنيا شهرة وجدلاً وقال أنا ربكم الأعلى، كان يركب عربة مصنوعة من الخشب تجرها خيول لا تساوي سرعتها عشر معشار ما نركبه الآن، معرضة للعوامل الطبيعية والغبار والأتربة والشمس، وقس على ذلك كل التقنيات الحديثة التي جعلت من كل شيء سهلا يسيراً في متناول اليد، لكن بالرغم من ذلك يظل الإنسان مشتاقاً وتواقاً إلى الماضي بمشاعره الجميلة وذكرياته النبيلة وأيامه الوادعة وفطرته النقية وتجاربه الممتعة.
إن الإنسان حينما يحن إلى ماضيه فهو في الواقع إنما يحن إلى جزء أصيل من نفسه التي بين جنبيه، في زمن ضاعت فيه ملامحنا بين زحام المادة وتغير الفطرة.