إن أطفال اليوم هم اللَّبنات الرطبة التي يُشاد على كاهلها - في المستقبل - بناءُ المجتمع، هم رجال الغد، وبقدر ما يُبذل في تربيتهم وتقويمهم، بقدر ما يكون للأُمة من مكانة وعزَّة، وبقدر ما يُهملون، فتتمكَّن من قلوبهم أساليب الانحراف، يكون للأمة من اختلالٍ وضَعْف في القوى المُوجِّهة لها، القائمة بشؤونها.
واليتيم طفل من بين الأطفال، قد فقَد أباه والعائل الذي يرعاه، فقَد القلب الذي يحنو عليه، والرُّوح الذي كان يَحوطه ويرعاه، فتَقوى أعصابه، وتنمو جوارحه، ويُشرَح صدره، وتبتسم له الحياة، فَقَد بموت أبيه كلَّ ذلك، وأسلَمته المقادير إلى الكآبة وتشتُّت البال والحِرمان، فما أحوجه إلى عناية من الرؤوف الرحيم، تَنتشله من تلك الوَحدة، وتجعل له متنفسًا يُسرِّي به عن نفسه!
ما أحوجه إلى تشريع حكيمٍ، ووصيَّة كريمة من ربٍّ رحيم؛ تَحفظ عليه نفسه، وتَحفظ له ماله، وتعدُّه رجلاً عاملاً في الحياة، ليس كَلاًّ على غيره، ولا عِبئًا على أُمته، ولا عنصرَ شرٍّ يَنفُث سمومه في أمثالِه الأطفالِ.
لهذا كله عُنِي الإسلام - كتابًا وسُنة - بأمر اليتيم، والحثِّ على تربيته، والمحافظة على نفسه وماله، وقد ظهَرت عناية القرآن الكريم بشأن اليتيم منذ أن نزَل، إلى أن أكمَل الله دينه، وأتمَّ على المؤمنين تشريعه، ظهرت في مكيِّه حينما عاد الوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن فتَر عنه مدة طويلة، توجَّس الرسول منها أن يكون الله قد قَلاه وأبغَضه، فجاءه الوحي وهو في هذا التوجُّس، مؤكدًا له حُسن رعاية الله إيَّاه، وأخذ يُثبت ذلك في نفسه، ويُذكر بعناية الله له قبل النبوَّة، وهو أحوج ما يكون إلى عطف الأبوة التي فقَدها ولم يرَها؛ ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ثم يطلب منه الشكر على تلك النعمة، وأن يكون شكرها - من جنْسها - عطفًا على اليتيم ورحمة به؛ ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾