الغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختلُّ، والإعراض عن دار الخلود يورث في هذه الدنيا هشاشةً في المواقف والنوازل، وإيثاراً للراحة والسلامة، وملاينةً للأعداء، وتنصُّلاً من المسؤوليات الجِسَام ؛ فمن كانت الدنيا همّه وشغله وهِجِّيراه؛ أتراه يبذل وقته وماله وقلمه في سبيل الله تعالى؛ فضلاً عن أن يقدِّم مهجته.
إن الناس في ضعفهم البشري، وتمسُّكهم الشديد بالحياة الدنيا؛ لا يدركون من الحروب والصراع إلا الجانب الذي يكرهونه ويخافونه، وهو العذاب والآلام التي تصاحب الصراع، والموت الذي قد ينتهي به، ولكن نظرة متدبِّرة تهدي المؤمنين إلى أن الآلام والموت على امتداد الحياة الكبرى ليست إلا بعض المكاره القليلة الخطر على الامتداد الطويل المديد الذي لا يحدّه الخيال، لا يكاد يذكرها الإنسان
بعد أن يتجاوزها إلى ما وراءها، فهي لا تزيد عما يقابله في طفولته، أو صباه، أو شبابه، أو بعض أطوار حياته من ضروب المعاناة في الأمراض أو الحوادث، والغفلة عن الآخرة، وضعف اليقين بأحوال القيامة قد شمل القاصي والداني، والبرّ والفاج، والذكر والأنثى - إلا ما شاء الله - فمستقل ومستكثر، وفتِّش نفسك هل أنت سالم، لقد حذَّر السلف الصالح من الغفلة عن الآخرة، وعدم تذكُّر أهوال الآخرة وزواجرها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: « من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له».