الحمدلله أكرم الأكرمين ، خالق خلقه أجمعين، يعلم سرهم ونجواهم ، يرزقهم في كل حين، يتفضل بكرمه على كل المخلوقين ، سبحانه لاينقص من ملكه شيئا وإن أعطى كل السائلين.
أما بعد:
خلق الله الخلق وقسم الأرزاق بينهم، وجعل منهم غنيا وفقيرا. فتفاضل بعضهم على بعض في العطاء والرزق والجاه. قال تعالى :( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) ٢١ - الإسراء. ومن نتائج ذلك التفاضل أن يمتحن الله الغني فيما سيصنع بماله ، والفقير فيما سيقول عن فقره. إضافه إلى ذلك أنه لا بد من وجود نوع من التوازن في هذه الحياة ، ولذلك أمر الله المؤمنين بالإنفاق، بل ووصفهم بذلك في عدة مواضع في كتابه فقال سبحانه :( الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) ٣- الأنفال.
وكان ذلك من أجل أن يتكامل المجتمع ويترابط ويتلاحم ويشعر بعضهم ببعضا؛ فيعطف غنيهم على فقيرهم ويتلمس حاجة أخيه المسلم وفقره.
وقد قال ابن منظور - رحمه الله - في الصدقة : "والصدقة : مااعطيته في ذات الله للفقراء" .
وايضاً قال فيها النووي - رحمه الله - : " والصدقة لغة تلتقي مع مادة الصدق في اصل المادة وفقه اللغة يؤكد ارتباط المادة بجميع ماتفرع عنها " .
وكما نعلم أن المال مال الله سبحانه ، قد استخلف عباده فيه ؛ ليرى كيف يتصرفون به، ثم هو سائلهم من أين حصلوا عليه؟ ، وفيما أنفقوه ؟ فمن جمعه وانفقه في طرق الحلال رضي الله عنه، وكان ذلك سببا في سعادته في الدارين، ومن كان قد جمعه من حرام أو صرفه في حرام؛ فمصيره إلى الشقاء.
ومن ذلك نخرج إلى وجوب صرف المال في وجوه وطرق يحبها الرزاق ، ويمتنع عن أي طريق قد حرمه - جل وعلا - لإنفاق المال. وإن من أعظم ماقد شرعه الله في المال مايعرف بالنفقة ( الصدقة )، وقد شرعت الصدقة لأمرين: استجابة لأمر رب العالمين ، وسد حاجة المسلمين. وفيمايلي يتبين لنا بعض فضائل الصدقة على المتصدق وأثرها:
أولا : أنها طريق للفوز بمحبة الله ورضاه :
قال الله تعالى:( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )١٩٥- البقرة. فالصدقة إحسان للمسلمين ، ولذا هي من الأسباب الجالبة لمحبة المُحسن سبحانه، فمن كان يرجو حُب الله وإحسانه إليه ، فاليُحسن بالصدقة على المحتاج.
ثانيا :أنها وسيلة لجلب السعادة لصاحبها :
فالصدقة ونفع الآخرين والإحسان إليهم جالب للسعادة وانشراح الصدر، وذلك لأن المتصدق تحرر من عبودية المال، وأطاع أمر خالقه ورجا ماعنده من خير ، عن طريق إسعاده للآخرين، وعلى الضد من ذلك يكون حال البخيل . فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لانشراح صدر المتصدق وانفساح قلبه، وضيق صدر البخيل وانحصار قلبه مثلا ، فقال: "مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما همَّ المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما همَّ البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى ترقوته، فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع ".
ثالثا : حصن حصين للعبد بإذن رب العالمين :
فالمتصدق وصاحب المعروف والإحسان تنفعه صدقته ، فترد عنه المصائب والكروب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ). وأنها أيضا دواء للبلاء والمرض ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( داوو مرضاكم بالصدقة ). وفي المقابل فإن منع الصدقة يجر على العبد من المصائب والمحن والسوء كما في قصة أصحاب البستان عندما تآمروا على منع صدقة أبيهم من ثمار البستان على المساكين ، كان نتيجة ذلك أن غضب الله عليهم وبعث طائفا طاف ببستانهم ليلا فأحرقها، فأصبحت صريما أسودا، فندبوا حظهم وفعلهم المشين بمنعهم الصدقة على المساكين.
رابعا : أن المتصدق في ظل صدقته حتى يقضى بين العباد :
ففي يوم القيامة وعلى أرض المحشر يكون الحر هنالك أشد مايكون حرارة، ويقف العباد مدة طويلة تقدر بخمسين ألف سنة، والشمس دانية منهم، والعرق يتصبب منهم، فيكون الناس في العرق على قدر أعمالهم، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْـه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، ومنهم من يكون أبعد عن هذا كله، وهم أصحاب الأعمال الصالحة ومنهم المتصدقون، فهم في ظل صدقتهم يتنعمون، تحميهم صدقتهم من وهج الشمس وحرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس ). وقال أيضا:( ظل المؤمن صدقته يوم القيامة ).
خامسا : نعم الغنيمة يوم القيامة :
فعندما توزع الصحائف ويقضى بالميزان ، يكون الإنسان بحاجة إلى عمل صالح يثقل له الميزان ويعينه ليفلح ، كما قال تعالى :( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ) ١٠٢-المؤمنون. فالصدقة من الأعمال العظيمة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، أن العبد يدخرها لذلك اليوم ، فيجدها كالغنيمة الباردة.قال تعالى :( وأقرضوا الله قرضا حسنا وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) ٢٠- المزمل. فعلى المسلم أن يكون فطينا، ويؤثر آخرته على الأولى وماعند الله خير وأبقى.
من خلال ماتقدم يتبين لنا أهمية الصدقة وفضلها وأثرها على العبد المسلم ، وأنها شرعت وشرع العمل بها لحكمتين : استجابة لأمر رب العالمين ، ولسد حاجة فقير المسلمين، وقد تبين لنا بعض فضائل الصدقة وأثرها، بأنها طريق للفوز برضى الرازق سبحانه ، ووسيلة لجلب السعادة لصاحبها ،وأنها حصن حصين عن البلاء والمرض، وأن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة يتنعم، وأنها نعم الغنيمة يوم القيامة. ختاما من طلب رضى الله والفوز بجنته ماتوانى أن ينفق من أجلهما كل مالديه ولم يستكثر.
يقول أبو فراس:
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يطلب الحسناء لم يغله المهرُ.
ندى محمد القحطاني