الفتوى من المناصب الإسلامية الجليلة، والأعمال الدينية الرفيعة، والمهام الشرعية الجسيمة؛ يقوم فيها المفتي بالتبليغ عن رب العالمين، ويؤتمن على شرعه ودينه؛ وهذا يقتضي حفظَ الأمانة، والصدقَ في التبليغ؛ لذا وصف أهل العلم والإفتاء بأنهم: ورثة الأنبياء والمرسلين، الْمُوقِّعون عن ربِّ العالمين، الواسطةُ بين الله وخَلْقه.
وهي ذكر الحكم المسؤول عنه للسائل، وهي جواب المفتي بما يتعلق بالسؤال عن الحكم الشرعي وغيره، وما يتعلق بالحكم الشرعي.
وقال النووي: «اعلم أن الإفتاءَ عظيمُ الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارثُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم، وقائمٌ بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي موقّع عن الله تعالى)، ويقولُ ابن القيم مبيِّنًا مكانةَ المفتي ومسؤوليتَهُ:«وإذا كان منصبُ التوقيعِ عن الملوك بالمحَلّ الذي لا يُنكَر فضلُه، ولا يُجهل قَدْرُهُ؛ وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّاتِ، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرض والسموات؟! فحقيقٌ بمَنْ أُقيم في هذا المنصب أن يُعِدَّ له عُدَّتَهُ، وأن يتأهَّب له أُهْبَتَهُ، وأن يعلم قَدْرَ المقام الذي أُقيمَ فيه، ولا يكونَ في صدره حَرَجٌ من قول الحق والصَّدْع به؛ فإن الله ناصرُهُ وهاديهِ، وكيف وهو المنصبُ الذي تولاَّه بنفسه ربُّ الأرباب؛ فقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ﴾، وكفى بما تولاَّه الله تعالى بنفسه شرفًا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ﴾.
وحذر السلف من الفُتيا وكان من عادةِ السلَف الحذر من الفتيا والفَرق منها :قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: (أدركت عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدُهم عن المسألةِ، فيردُّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجعَ إلى الأوَّلِ).
بقلم / مضاوي الحربي