عن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قط خفيفة ولا طويلة ، ولقد انهد من ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجد في صلاته فما التفت.
إنها الصَّلاةُ يا عباد الله, قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين ، ولذَّةُ أرواح المحبين ، وبستان العابدين وثمرة الخاشعين .
فهيَ بستَانُ قلوبهم, ولذَّةُ نفوسهم, ورياضُ جوارحهم .
فيها يتقلبون في النعيم, ويتقربون إلى الحليم الكريم.
عبادة, عظَّم الله أمرها, وشرَّف أهلها, وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام, وآخر ما يذهب من الإسلام وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلام .
وواقع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مع الصلاة معروف بخشعوعهم بالصلاة .
يفزعون إليها عند النوائب .
ويلوذون بها في النوازِلِ .
يتعرف بها أحدهم إلى الله في الرخاء .. فيعرفه ربه في الشدة
بوابة للرحمات .
و مفتاح الكنز, الذي من حصله حاز الخيرات.
وكانت لأحدهم رَبيع قَلْبِهِ, وحياة نفسه ، وقُرّة عَيْنِهِ ، ولذة جسده ، بل هي جلاءً حُزْنِهِ, وذَهاب همِّه وغَمّه.
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال : ( أرحنا بها يا بلال) ولهذا ورد عنه أنه كان يقول : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة)
الخشوع من العبادات المفقودة في حياة الكثير منا للأسف الشديد, ترى بعض الناس يحافظون على أداء الصلاة فقط لإسقاط الواجب من أعناقهم وليس للتذلل والتلذذ كما كان يفعل من كان قبلنا .
وصدق حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال : (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً)
أخي المصلي . أعلم رعاك الله أنك ما وقفت بين يدي الله إلا طاعة لله عز وجل وامتثالاً لأمره فما بالك تُضيع ذلك بكثرة الحركة والغفلة في الصلاة ، ألم تعلم أن الخشوع هو روح الصلاة ومادة حياتها.. وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس . وأنك ربما تنصرف ولم يكتب لك من صلاتك إلا الشيء اليسير.
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عُشر صلاته ، تُسعها ، ثُمنها، سُبعها ، سُدسها ، خُمسها ، ربُعها ، ثُلثها ، نُصفها )) [رواه أبو داود والنسائي] .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف نربي أنفسنا على الخشوع :
1. تدعو الله تعالى أن يرزقك الخشوع .
2. اجمع نفسك وأحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة
3. - استشعار عظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل.
4. تهيأ قبل الدخول في الصلاة فــ ((لا صلاة بحضرة طعام و لا وهو يدافعه الأخبثان )) [رواه مسلم] ، وليكن المكان مهيأً للصلاة .
5. الإكثار من الطاعات ( والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتاهم تقواهم ) محمد :17
6. الابتعاد عن المعاصي ( كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) المطففين :14
7. تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها .
8. مجاهدة النفس وحضر الذهن والتركيز عند القراءة .
9. لا تتعجل في صلاتك ولا تكن الصلاة أهون شيء عندك تؤديها كيفما كان .
10. التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفات أو العبث المنهي عنه .
11. التزم بأحكام الصلاة وآدابها ، واجعل نظرك في موضع سجودك ... قال صلى الله عليه وسلم ((صلوا كما رأيتموني أصلي )).
12. تصنع الخشوع من غير نفاق أو رياء ذلك عندما تكون بمفردك . فكما قليل أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم .. فإن الخشوع بالتخشع .
13. كسر العادات إما بتغيير أماكن الصلاة أو تغيير السور التي تقرأها بعد الفاتحة .
14. صلِّ صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا بعد صلاة مكتوبة وأنت لا بد منهم.
نسأل الله أن يعيد إلينا هذه العبادة المفقودة وأن يجعلنا وجميع المسلمين من الخاشعين اللهم أنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له ، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين .
بقلم / عبير الحمدان