وتنازلوا عن جميع حقوقكم وحاجاتكم البشرية وضعوا أرواحكم بين أيديكم.. واستعدوا لجرعات من الضغط النفسي اليومي بدون حوافز مادية أو معنوية , وليكن الروتين حليفكم ولا تناقشوا ولا تجادلوا ولا تفكروا حفاظا على نقاطكم الوظيفية.. واحمدوا الله على أن رزقكم هذه الوظيفة من غير حول منكم ولا قوة .
هذه الرسالة التي قرأتها بين سطور العقد الذي تم بيني وبين وزارة التربية والتعليم حين وافقت أن أكون معلمة وتم تعييني في قرية تبعد عن بيتي ما يكفي ليدمر قواي النفسية والجسدية.. في مدرسة تفتقر لأدنى مقومات السلامة ..فمبنى المدرسة لا يقينا حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا يمنع عنا الحشرات والخفافيش والحيات , والأرض غير مبلطة ولا يوجد في المدرسة أهم المرافق التي يجب أن تتوفر فيها .. فلا غرفة اسعافات أولية ولا مطبخ ولا معمل للحاسب الآلي ولا مصلى ..عملنا فيها عاما كاملا بدون مكاتب مفترشين الأرض مكتظين في غرف ضيقة .. نستخدم دورة مياه واحدة فقط وغير جيدة مجبرين للاصطفاف في طابور يومي من أجل الوضوء لأداء صلاة الظهر .. لعدم وجود استثناءات لأوقات الدوام الرسمي في مدارس القرى والهجر بحيث نستطيع الوصول في وقت مناسب لأداء الصلاة في منازلنا .. وبالرغم من عدم وجود مكان يمكن أن نصلي فيه..
إن قضية التدريس في القرى باتت مأساة محزنة جدا , و قاسية جدا , ولكنها لا زالت خارج نطاق الاهتمام .. بالرغم من التدني الملحوظ في مستوى التعليم والخدمات ..
وكمزيد من عدم الاهتمام يتم تعيين مديراتها عشوائيا بدون شروط في الشهادة أو الخبرة أو القدرة مما يزيد الوضع سوءا .. وتسير العملية التعليمية نحو الأسوأ حين يكون الهدف ..مناهج تعطى بأي شكل دون مراعاة للتخصص .. ودرجات ترصد آخر العام وإن كانت بدون وجه حق ..
والإشراف التربوي ضمير غائب عن الوجود.. فلا تتواجد المشرفات إلا من أجل التحقق من أن حبرا يملأ الورق وأوامر تنفذ .. ومعلمات يؤدين واجباتهن كاملة بغض النظر عن حقوقهن المسلوبة...مرهقات محملات بأعمال إضافية أكثر من اللازم .. إلا من رحم ربي..
ولا زال للقضية وجه آخر يتمثل في معاناة السفر اليومي مع سائقين غير مضمونين يتلاعبون بالمعلمات ويضعون عليهم شروطهم ويسنون قوانين لم تستطع وزارة كاملة أن تضع مثلها..
فالسائق من حقه أخذ راتب الشهر كاملا يوم 25 حتى لو قام بإيصال المعلمة يوما واحدا قبله . .و على المعلمة الخضوع لطلبه .. وليس للمعلمة الحق في تغيير السائق لأي سبب يتعلق بعطل في سيارته أو سرعته وتهوره أو عدم التزامه بالمواعيد .. وإن فعلت ذلك فقد وضعت نفسها في قائمة سوداء تنتشر بين سائقين المنطقة وحينها لن يوافق على نقلها أحد......
وما خفي أعظم يا وزارة التربية والتعليم , وما خفي أدهى وأمر .
لعل في الغد قرارات تصدر تعطي المعلمة شيئا من الاهتمام الذي تستحقه.. حتى يكون للعطاء طعم آخر .
لينة الصوفي
المدينة المنورة