تتقلب وزارة التربية والتعليم في قراراتها وتتمادى في رسم سياساتها وتتنقل في منهجيتها، فتارة تطرح خطة للتخلص من المباني المستأجرة، وتارة ترى أن تغيير المناهج أبرز أهدافها وتارة أخرى تبذل الملايين لتحسين البنية التحتية للمدارس الحكومية ويبقى المعلم – العمود الفقري للعملية التعليمية - مهملا.
ومن أبرز تناقضات الوزارة مع نفسها شروعها في تبني برنامجين لم نفهم السبب الجوهري وراء السعي الحثيث في إنجازهما. البرنامج الأول إدخال التقنية في المناهج الدراسية بشكل مفرط، ما أخل بالمنهجية التعليمية وأضر بالبيئة التعليمية. والبرنامج الثاني سعي الوزارة إلى إدخال الفروسية كمادة أساسية في المناهج، حيث كشفت وزارة التربية والتعليم عن نيتها في إدخال رياضة الفروسية في مدارسها باعتبارها جزءا من تراث وثقافة أمتنا العربية وباعتبار المملكة العربية السعودية أرض الخيل ومهد الفروسية.
دعونا نتكلم عن البرنامج الأول الذي أعد قبل سنوات وأنفق عليه تسعة مليارات ريال ثم كفت الوزارة عن الحديث عنه ولم نعد نسمع عنه شيئا. ويتلخص هذا البرنامج في مشروع تطوير التعليم الملقب بـ 'تطوير'، قامت في بداياته بتوزيع 24 ألف جهاز حاسب آلي لكل معلم ومعلمة ولكل طالب وطالبة مع ربط الأجهزة بشبكة الإنترنت العالمية محملا عليها كل البرامج اللازمة، تمهيدا لتنفيذها على بقية المدارس. يرى مؤيدو هذا البرنامج أن التقنية تمثل حجر الزاوية في التعليم وكأن تطوير التعليم مرتبط فقط بالتقنية والحاسب وما في حكمهما، ويتحاشى عمدا أو جهلا تطوير الأدوات الأساسية والدعائم الجوهرية للعملية التعليمة كتطوير مهارات الطلاب الفكرية والمعرفية والسلوكية، وتطوير الجوانب التربوية والمعرفية للمعلم، وتدريب وتنمية مديري المدارس، وتطوير الإشراف التربوي، وإكمال البنية التحتية للمدارس.
وتكلمنا عن هذا المشروع في حينه ونقدناه قبل تنفيذه منذ سنوات عدة. فذكرنا أن التطوير لا يعني الاستثمار المبالغ فيه في التقنية، فهناك سلوكيات ومعارف ومهارات يحتاج إليها الطالب ولا يمكن البتة أن يتعلمها عن طريق التقنية، بل تحتاج إلى العنصر البشري والقدوات واكتساب السلوك القويم، وهذا لن يتأتى إلا من المعلم القدوة المعد إعدادا جيدا. كما ذكرنا أن التقنية تدخل عند الحاجة، خصوصا في مجال التعليم، فجميع دول العالم لم تبالغ في الاستثمار في التقنية في التعليم. وقد أتانا اللوم من القائمين على البرنامج وبينوا أننا استعجلنا النتائج، ويجب أن ننتظر حتى ينتهي ويكتمل بناؤه ونرى ثماره، إلا أننا لم نعد نسمع عنه ولا ندري ما مصيره ولماذا لم تعد تتحدث عنه الوزارة وما مصير تسعة مليارات ريال (ميزانية برنامج تطوير فقط ولا تدخل هذه المليارات في ميزانية التربية والتعليم).
وقد كان عندنا أمل في تحسن وضع التعليم في بلادنا حتى سمعنا تصريح الوزارة الأخير ونيتها إدخال الفروسية كمادة أساسية فأدركنا أن 'التربية والتعليم' لا تعلم بالضبط ماذا تريد؟ ونريد في بقية المقال أن نقف مع الوزارة بخصوص موضوع الفروسية في المدارس كما وقفنا معها وبينا وجهة نظرنا حيال برنامج تطوير التعليم والأجهزة المحملة لكل طالب. حتى أبين وجهة نظري سأسردها على هيئة أسئلة. أول وأهم سؤال هو: هل حققت الوزارة أهدافها الجوهرية وأكملت بنيتها التحتية ولم يبق لها سوى الفروسية؟ والسؤال الثاني: كيف تكون آليات مادة الفروسية؟ هل ستكون على هيئة مادة نظرية عن الخيل وأنواعها وأشكالها وأصنافها - كما هو الحال في مادة التربية الوطنية - أما أن هناك تطبيقا عمليا وممارسة فعلية وعلى كل طالب أن يجيد ركوب الخيل والقفز والمسابقات ونحوها. ولو افترضنا أن الوزارة لديها نية في الممارسة الفعلية للفروسية فإلى كم حصان تحتاج كل مدرسة؟ وهل سيكون هناك إسطبل في كل مدرسة؟ أي هل يتعين على الوزارة أن تستأجر مبنى للفصول الدراسية والمكاتب ومبنى آخر يعد بمثابة إسطبل للخيل فليس من المعقول أن تلحق الخيول بمبنى المدرسة؟! أم أن من الأسلم إنشاء إسطبلات مركزية في كل مدينة تخدم جميع المدارس ويتم نقل الطلاب من مدارسهم إلى الإسطبلات؟ لكن هذا قد يسبب مشكلة مرورية فما أن تهدأ حركة توصيل الطلاب إلى المدارس في الصباح الباكر حتى تبدأ حركة نقلهم مرة أخرى من مدارسهم إلى إسطبلات الخيل. والسؤال الجوهري: لو افترضنا وتحقق للوزارة بغيتها وتمكن طلابنا من ممارسة الفروسية وأصبحوا أبطالا لا يشق لهم غبار فما الفائدة التي سنجنيها من هذا الترف؟ ماذا ستضيف للدولة وللمواطنين والطلاب البراعة في القفز والتعامل مع الخيول في عصر الطائرات وعابرات القارات والتطور غير المسبوق في الاتصال والاتصالات؟ وأخيرا نريد أن نعرف ما مصير الطالبات هل هن أيضا سيمارسن الفروسية؟ فالعالم يتهمنا أننا ضد المرأة ونحن نريد أن ندحض التهمة فمن باب إرضاء الغير وإقناعهم بأننا في صف المرأة يتعين على التربية والتعليم أن تتيح للطالبات ممارسة الفروسية كما هو الحال للذكور؟
هذه بعض الأسئلة أتمنى من الوزارة أن تجد لها أجوبة مقنعة قبل أن تتورط في مادة الفروسية وتدخل نفسها في نفق يصعب الخروج منه، كما نتمنى من 'التربية والتعليم' أن تطلع الرأي العام عن نتائج تطبيق برنامج تطوير الذي قامت بتنفيذه قبل سنوات عدة (صاحب التسعة مليارات ريال). وعليها أن تأخذ الوقت الكافي في دراسة خططها قبل تنفيذها، فالذي يتضح أن لديها أموالا ضخمة، لكن ليس لديها آليات لصرفها ولا خبرات تربوية تساعدها على المحافظة على رسالتها وتحقيق أهدافها.
المصدر/ صحيفة الاقتصادية
السيرة الذاتية
أستاذ إدارة الأعمال المساعد - جامعة الملك خالد
[email]saaladhadi@kku.edu.sa[/email]