الحمد لله على كل نعمه أنعم الله بها علينا .. وصلى الله وسلم و بارك على سيد الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين..
إن أعظم آفة تصيب المجتمع وتهز كيانه هزا، وتنخر عظامه نخرا من حيث يشعر أو لا يشعر هي أن يوجد الثراء الفاحش إلى جانب الفقر المدقع ,أن يوجد من يملك القناطر ومن لا يملك قوت يومه، أن يوجد من يلعب بالملايين ومن لا يجد الملاليم، أن يوجد من يموت من شدة التخمة، وآخر يموت من غصة الجوع..
عندما تحدث القرآن عن تاريخ المترفين نلاحظ أنهم كانوا يقفون دوما في وجه حركات الأنبياء ودعاة الإصلاح، لأن دعوتهم كانت ترتكز على الرفع من مستوى الفقراء وكبح جماح المترفين. ومن ثم كان المترفون عائقا أمام عقيدة التوحيد. لذلك كانت حرب الإسلام على الفقر هي في نفس الوقت حرب ضد الغنى الفاحش والترف المفجع، قال تعالى: «وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون34» سورة سبأ
ولو راجعنا التشريع الإلهي والنبوي؛ لوجدناه قد حذر من الكثير من تصرفات الترف وحرم بعضها، وفي الأثر المشهور (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، وإن كان هذا الأثر ضعيفا إلا أن معناه صحيح، فالمترف من توسع في التنعم بشهوات الدنيا وملذاتها ، ومن شأن ذلك أن يؤثر في شخصيته ، فتراه مدللا ، يفارق الرجال في القوة والاحتمال ، مائع الإرادة ، وهذا الوصف تراه يغلب على شباب الأمة اليوم ، الذين ضاعوا أمام تيارات التغريب والغزو الثقافي ، الذين نشأوا وسط عالم مادي بحت ، فالدين مغيَّب ، والدين مجموعة من الشعائر يؤديها المرء ـ إن شاء ـ في بيت العبادة ، فلا علاقة للدين بالحياة ، والإنسان مخلوق حر ، فلا غضاضة ولا حرج إنْ سارت النساء كاسيات عاريات ، ولا شيء في أن يتشبه الرجال بالنساء ، ولا مانع من الاختلاط ، ولا الزنا ومقصود الإنسان في هذه الحياة هو " الرخاء والرفاهية " فالمال هو السلاح الأقوى ، وقيمة المرء بما في جيبه لا ما يتقنه .
في العهد الأندلسي ..سرف ملوك الطوائف في الترف، وتفننوا في صنوف من البذخ، فهذا المعتمد بن عباد ملك إشبيلية يرى زوجته "اعتماد" وهي تطل من شرفات القصر ترقب سقوط الثلج فأجهشت بالبكاء، فسألها المعتمد عن حالها فأخبرته بأنها تحنّ إلى منظر سقوط الثلج، وتريد أن تسافر إلى بلد يكثر فيه سقوط الثلج لتمتع ناظرها بجمال الطبيعة الفاتنة، فطمأنها المعتمد بأنها سترى هذا المنظر في الشتاء القادم في ذلك المكان نفسه. وأصدر أمره في الحال أن تغرس أشجار اللّوز في حدائق القصر حتى إذا أزهرت في فصل الشتاء بدت زهراتها البيضاء في عين "اعتماد" كقطع الثلج تجلّل أغصان الأشجار.
ورأت نسوة من العامّة يعجن الطين لصنع اللّبن، فأثر فيها المنظر وبكت، فلما رآها المعتمد باكية سألها عن السبب، فأخبرته بأنها مقيّدة الحريّة لا تستطيع أن تفعل فعل هؤلاء النسوة، فأمر في الحال بإحضار مقدار كبير من المسك والعنبر وبعض الأعطار فعُجن كل ذلك إلى أن أصبح عجينة في حجم تلك التي كانت تعجنها النسوة، فنزلت "اعتماد" إلى مساحة القصر هي وجواريها، وخلعن نعالهن وصرن يعجن بأقدامهن ذلك الطين المصنوع من المسك. وطابت نفس "اعتماد" بذلك!
وبسبب ترفهم هذا وبذخهم وإسرافهم ومن أجل إرضاء نزواتهم وتحقيق لذاتهم وعدم مراعاتهم للشرع ، وفي ظل هذا الحكم اضطرب المجتمع الأندلسي، وانتكست مثله، واشتد الغلاء وانتشرت الأوبئة وعمت الكوارث، فقد كانت رحى الحروب تعصف بالرعيّة، وانعدم الاستقرار والأمن وفسدت أخلاق الناس، واستبيحت المحرّمات، وهتكت الأستار، ونقضت شرائع الدّين، وفسدت نفوس الحكّام والمحكومين حتى إنه لم يعد يعلم في الأندلس درهماً أو ديناراً حلالا.
وعلاجِ التَّرَف يكون بالتقلُّلُ من مُتَع الدنيا، وعدمُ تعويد النفس على الراحَةِ والدَّعَة والبَذَخ، وتقصيرُ الأمل، وقراءةُ سِيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه، وتركُ بعض النعيم الذي يُصبَرُ عليه ..
صحيفة التعليم
آثار الترف والبذخ
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/articles/206331/