تنسج عشر معلمات ومديرتهن حكاية تعليم في قرية غابت عن خارطة المملكة، يقطعن 130 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، في طريق وجد أخيراً من يلتفت إليه ويؤهله بإسفلت بعد أن كان «جلداً»، لا تقطعه إلا سيارات ذات دفع رباعي.قبلت المعلمات أن يكنَّ رائدات تعليم طالبات قرية الحلية، التي حظيت ببرج اتصالات قبل أشهر فقط، بعد سعي أهلها، فيما لا يخدم القرية غير بقالة واحدة، ومركز صحي أنجز أخيراً. ويسود الرمل الأصفر جناب البيوت والمدرسة الشامخة وحيدة كصرح تعليمي.
بدل النأي
وفيما تحملت المعلمات ومديرتهن مسافة 130 كيلومتراً، يقطعنها يومياً من وإلى القرية، حاملات معهن عدتهن وعتادهن من طعام الغداء ومفاجآت الطريق، إلا أنهن سقطن من مخصص بدل «النأي»، ذلك المخصص الذي يهوِّن قليلاً من هول الغربة وقطع الفيافي. وما يزيد الأمر غرابة، أن بدل النأي لا يُحسب لهن بسبب عدم ذكر القرية في خارطة المملكة، الذي عُد شرطاً رئيساً لصرف البدل، بحسب المعلمات اللواتي تحدثن إلى المصادر.
وعلى الرغم من افتتاح المدرسة في عام 1427هـ، ومُضي سبع سنوات من مزاولة المعلمات عملهن فيها، إلا أن وزارة التربية والتعليم لا تزال تدرس إمكانية صرف بدل النأي لهن. وتحولت المدرسة إلى أشبه بمحطة عبور للمعلمات، حيث يسارعن بطلب النقل إلى مدارس أخرى، وإن كانت بعيدة لكنها تمنحهن حق «بدل النأي».
انتقلن إلى مدارس أخرى
وتذكر معلمة أن جميع من عملن من معلمات في المدرسة، منذ افتتاحها، لم يحصلن على بدل النأي، مبينة أن كثيراً منهن انتقلن إلى مدارس أخرى، بسبب الإحساس بعدم الاهتمام بهن وعدم تقديرهن وشمولهن كغيرهن من المعلمات ببدل النأي.
وتقول إن المعلمات ومديرتهن خاطبن وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة، ولكن لم يحدث أي تغيير في وضعهن، مضيفة «حتى المعلمات اللواتي انتقلن إلى مدارس أخرى لا يعرفن فيما إذا كنا سيحصلن على بدل النأي بأثر رجعي أو لا».
وتبعد قرية الحلية سبعة كيلومترات عن قرية قمشان، وتظهر قمشان في خارطة المملكة، لكن الكيلومترات السبعة لم تشفع لوضع الحلية في الخارطة. وتسكن المعلمات العاملات في المدرسة في تثليث، حيث تعتبر أفضل مكان للسكن، ما يجعلهن يقطعن مسافة 130 كيلومتراً يومياً، فيما تتبع المدرسة قطاع الأمواه، وتقوم مدير المدرسة بالأعمال الإدارية، ويبلغ عدد الطالبات 34 طالبة، إضافة إلى أربع مستخدمات وحارسين.
خاطبن الإدارة
وقالت معلمة أخرى إن بدل النأي يُصرف للمعلمات بحسب المسافة، مبينة أنها فضلت النقل إلى مدرسة أخرى، تتوافر فيها كافة الشروط والمستحقات. وبينت أن مدير المدرسة ومعلماتها يخاطبن الإدارة كل عام، لحل الأمر، وبعضهن توجهن إلى الوزارة في الرياض.
من جهة أخرى، نقلت المصادر شكاوى المعلمات إلى وزارة التربية والتعليم، وجاء ردها على لسان المتحدث الرسمي للإدارة العامة للتربية والتعليم في محافظة بيشة عبدالرحمن آل حنيشل. وأوضح أن الإدارة رفعت إلى مدير عام فرع وزارة الخدمة المدنية في منطقة عسير استفساراً عن مدى إمكانية منح معلمات الحلية الابتدائية «بدل نأي»، وعددهن 15 معلمة، مبيناً أن موضوع البدل لا يزال في فرع ديوان الخدمة، والموضوع تحت الدارسة، مضيفاً أنه ستتم متابعته من قِبل الجهة ذات الاختصاص في الإدارة.