في عالم المهنة، يؤدي الموظف مهام معيَّنة وفق عقد معيَّن ويتقاضى على ذلك أجراً معيناً، بمعنى أن عدم وجود الوظيفة مع وجود الاحتياج يقود إلى خلل، كما أن عدم القيام بمهام الوظيفة على الوجه المطلوب يقود إلى خلل أكبر.
وبما أن المملكة العربية السعودية عاشت ولم تزل تعيش في نهضة تنموية شاملة تسابق الزمن في كافة المجالات، فقد اقتضت الضرورة وجود نظام التعاقد الوظيفي مع غير السعوديين للعمل في القطاعين الحكومي والخاص ليساهموا مع السعوديين في بناء بلدهم.
ومع مرور الوقت ازداد عدد السعوديين المؤهلين، – ولعل ذلك كان من أهم أهداف خطط التنمية- ، مما اقتضى أن يمارسوا دورهم الطبيعي في شغر الوظائف المختلفة في القطاعات الحكومية والخاصة بدلاً من المتعاقدين، وقد صاحب ذلك شعور الزهو والفرح من المجتمع بوجود السعودي «ابن البلد» بدلاً من غير السعودي، وهو شعور طبيعي، إلا أن هذا الاستبشار ومع الأسف لم يعقبه الرضا، فقد أصبح العمل في ظل وجود السعودي مهملاً، وأصبحت الجودة ضعيفة وبقيت المهام غير مؤداة. وعندما يحدث ذلك في قطاع حيوي يلامس كافة شرائح المجتمع كقطاع التعليم فإن الوضع يصبح أشد خطورة لارتباطه وبشكل مباشر بالمدرسة التي يعدها التربويون مؤسسة التنشئة المقصودة الأولى، وتخرج من رحمها جميع الكفاءات التي يحتاج إليها المجتمع وتعمل على تطويره ونمائه. فقد كان التعليم الحكومي على أيدي المتعاقدين أفضل وبمراحل كثيرة من التعليم الحكومي المسعود في الوقت الحاضر مع كل ما يحظى به من إمكانات وموارد. ومع أن هذا المشهد حقيقي يدركه من عاصر المرحلتين، إلا أن الأسباب التي تقف وراء هذه الحقيقة غير واضحة، الأمر الذي يدعو إلى طرح بعض التساؤلات التي يمكن أن تساهم في طرح تصور أفضل عن الأسباب المحتملة للظاهرة، ومن بين هذه التساؤلات ما يلي:
– هل الإنسان السعودي لا يقدِّر المسؤولية؟
– هل الإنسان السعودي ذو إمكانات متواضعة؟
– هل قيم العمل لدى الإنسان السعودي منخفضة؟
وعند النظر في هذه التساؤلات من زوايا متعددة، وبعد فحص دقيق للواقع، يمكن القول إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي النفي، فالإنسان السعودي يقف وراء عديد من الإنجازات المحلية والدولية على مختلف المستويات والتخصصات «الطب – الفلك – الهندسة – العلوم …»، كما أن الإنسان السعودي يعمل في مختلف المهن ابتداءً من سائق أجرة إلى قيادة الطائرة، ويعمل لساعات طوال ويتحمل المخاطر ويعيش في الغربة ويحصل على أعلى الشهادات ويسعى لتطوير نفسه ويهتم بقضايا مجتمعه ويحب وطنه ويحافظ على أمنه ويحمي حدوده.. فهو إنسان عادي لم يأت من كوكب آخر ويتمتع بإمكانات بشرية طبيعية كغيره من الناس.
ولكن يبقى السؤال المحير: إذا كان الإنسان السعودي لا يختلف في تكوينه النفسي والبيولوجي عن الإنسان غير السعودي، فلماذا يتخلف النظام الذي يشرف على أداء مهامه السعوديون؟ أهي عين حاسد أصابت السعوديين على حماسهم وجهدهم وحبهم لبلدهم التي تستحق منهم كثيراً!!
لماذا يعجز النظام التعليمي الحكومي الذي يعمل فيه المعلمون السعوديون، عن تحقيق أبسط أهدافه، ولعل مهارات الإملاء المتدهورة بين الطلاب في المدارس الحكومية خير دليل على ذلك، حيث نجد بالمقابل أن مستوى الإملاء لدى الطلاب الذين يدرسون المناهج نفسها في المدارس الخاصة التي يعمل فيها غير السعوديين «المتعاقدين» مستوى متميز أو غير سيء على أقل تقدير.
وإذا سلمنا بأنّ السعوديين مخلصين ومحبين لبلدهم ولديهم قيم موجبة عن العمل ويمتلكون قدرات وكفايات لا تختلف عن غيرهم من الأجناس البشرية الأخرى، فإن المتغير المستقل الذي يمكن قياسه في تفسير ظاهرة تدهور العمل الحكومي لدينا وتخلفه عن القيام بمهامه هو: النظام الإداري الذي يمارس في العمل الحكومي وخصوصاً في مجال التدريس. إن المتمعن في النفس البشرية يدرك أن الإنسان يميل إلى الركون إلى الراحة والدعة عند تحقق حاجاته، وفي نفس الوقت يجمح إلى بذل الجهد المضاعف عندما يشعر بأن استمرار تحقيق الحاجات مرتبط ببذل المزيد من المهام والأدوار، غير أن المعلم الحكومي لا ينتظر ترقيه أو حافزاً مادياً أو معنوياً يرتبط بإجادة العمل وإتقان المهارات المرتبطة به، بل إن الإخلاص في العمل وبذل مزيدٍ من الجهد قد يكون محبطاً مع مرور الوقت عند المقارنة مع الآخرين الذين لا يعملون بنفس القدر ويحصلون على نفس المزايا التي قد تزيد نتيجة عدم تعرضهم للضغوط.
هل يعلم الجميع أنه لا توجد علاقة في النظام الوظيفي الحكومي للمعلمين بين ترقية المعلم وظيفياً وأدائه المهني!! بل لا يوجد أصلاً في السلم الوظيفي للمعلمين السعوديين أي ترقية!! كل ما في الأمر مستويات تتدرج حسب المؤهل العلمي دون اعتبار لمستوى الأداء الوظيفي والنمو المهني الذي يبدو أنه في الدرجة بعد الأخيرة من سلم اهتمامات مسؤولي الوزارة المسؤولة عن التعليم.
اعتقد أن الوضع خطير وخطير جداً فالتعليم هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع، ولابد من إصلاح الوضع القائم إذا كنا نؤمن بذلك، ولعل الخطوة الأولى هي اختيار المعلم وفق أسس ومعايير مهنية والعناية به وتطوير قدراته، ويمكن أن يتأتى ذلك من خلال الإجراءات الآتية:
-الاستمرار في اشتراط اجتياز اختبار كفايات المعلمين للحصول على الوظيفة التعليمية، وإعادة تأهيل من يخفق من الخريجين بالتعاون مع الجامعات.
– تطبيق اختبار كفايات المعلمين على من هم على رأس العمل كل ثلاث سنوات تجدد بموجبه رخصة مزاولة المهنة.
-تطبيق نظام الترقيات (معلم أول – معلم خبير..) وربط ذلك بالنمو المهني والتربوي للمعلم (اجتياز اختبار الكفايات، دورات تخصصية).
-التأكد من الجهات الأمنية في عدم وجود سوابق تخل بالشرف والأمانة لدى الخريجين، أو من هم على رأس العمل بشكل دوري.
إن مثل هذه الإجراءات تساعد في رفع مستوى جودة العمل من حيث ضبط المدخلات وتطوير القدرات بشكل مستمر، فمن المخجل والمبكي أن تصرف المليارات من الريالات على ما يسمى بالتعليم ثم يتخرج الطالب وهو لا يعرف القراءة ولا يجيد الكتابة.
وقفه: نحن بحاجه ماسة إلى إقامة مؤتمر وطني لإنقاذ التعليم الحكومي في السعودية من أجل ألاَّ تصبح التربية والتعليم مهنة مَنْ لا مهنة له.
13/07/2013
حتى لا تصبح التربية مهنة مَنْ لا مهنة له.. معاً من أجل إنقاذ التعليم
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/67081/