المعلم اليوم لم يعد كما كان عليه في الماضي مجرد ناقل للمعلومات فقط وقاصر على ما تعلمه في المرحة الجامعية وعلى الطرق التقليدية العقيمة في تدريسه والتي بينت دراسات كثيرة على أن فائدتها محدودة نظراً لأنها تقوض التفكير أو يتخذ من التسلط والقمع وسيلة لضبط سلوكيات الطلاب والتي غالباً ما تنفـر الطلاب ولربما تدفعهم لأحداث سلوكيات غير مرغوبة داخل الصف أو خارجه أو تركهم المدرسة بالكلية ، وإنما بحاجة إلى كل ما يهيئ سبل التعليم داخل الحجرات الدراسية ويـُحـفـز الطلاب على التعلم ويُـقـوم سلوكياتهم أو يهذبها من واقع أسس تربوية صحيحة لا افراط فيها ولا تفريط والتي لا تتوافر البتة إلا في منهجية الإسلام الخالد ، فضلا عما يثير فيهم النزعة لحب الخير والعمل المثمر والذي لا يتم في الواقع إلا في ظل أجواء تعليمية يسودها الود والتقدير والاحترام والرفق والشفقة والتعامل بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن العنت والتشنج والإحباط والاهانة والسخرية وجرح المشاعر ، وفي حالة توقيع العقوبة على طالب مخالف أو منحرف ينبغي أن ينظر إليها على أنها تأديب لا انتقام وأن أفضل العقوبات المنطقية ما كان منها يُعلم الطلاب كيف يميزون بين الأفعال المقبولة وغير المقبولة بحسب رأي بعض المفكرين التربويين في هذه المسألة . نعود ثانية لنؤكد بأن عالمنا اليوم في تطور مستمر ومتناغم ويشهد في الوقت نفسه ثورة معلوماتية عارمة وتضارب في المصالح ومشاكل متشعبة ومعقدة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولذا ما احوجنا إلى مُعلم على قدر كبير من الاطلاع والدراية الكافية بما يدور في خضم الحياة ، فيرشد حينئذ طلبته إلى كل ما ينفعهم والابتعاد عما يضرهم بالإضافة للاستفادة بما يقع في أيديهم من مصادر معرفية وثقافية مفيدة وهادفة وأن يستخدم بالإضافة لذلك مختلف الطرق التي ترسخ فيهم القيم الخلقية الرفيعة وتوقظ فيهم الهمم العالية وتغرس فيه حب النظام وتحمل المسؤولية وتنمي فيهم التفكير الخلاق الذي من شأنه يساعدهم على فهم الحياة من كافة نواحيها فضلا عن سبل مواجهة الاخطار التي قد تهدد حياتهم وكذلك حل المشكلات واتخاذ القرارات والتمييز بين الحقائق والمشاعر والمعتقدات والنقد والانتقاد والتغلب على الانهزامية واستغلال الفشل لصناعة النجاح ، وإذا ما سُل المعلم من قبل طلبته سؤالا لا يعرفه فلا مانع من أن يقول لا أدري على أن يجتهد ويبحث عن الإجابة ليزوده بها لا حقاً ، فلقد قيل : لا أدري نصف العلم ، وأن مفتاح العلم السؤال . يقول أحد المفكرين التربويين في هذا الصدد بأن التعليم بطريقة الادراك الحسي أساس لكل تقدم عـقلي وقـوامه ، وذلك لما يـُـكونه ُ لدى الطلاب من مدركات أساسية يمكن الاعتماد عليها مستقبلا لتكوين مدركات جديدة أوسع وأكثر شمولية وحافلة أيضاً بالمعاني والدلالات الصحيحة. بقي أن نختم مقالنا هذا بالقول بأن أصدق مقياس للتعليم الناجح هو ما يُشاهد على الطلاب أو المتعلمين من سلوكيات متطورة وإيجابية ، وهذا ما يتطلب في الواقع إلى جودة عالية وحرص واهتمام بالغ في المنظومة التعليمية من كافة جوانبها ، ولله در القائل : أعطني مُـعلماً أعطك مدرسة ً، ونحن نقول أيضاً وأمة راقية ومتطورة تنعكس معطياتها على تقدم الوطن وتطوره وازدهاره .
عبد الفتاح بن أحمد الريس
كاتب صحفي ومؤلف وباحث في المجال التربوي