صحيفة التعليم الإلكترونية : حمد المحيميد :
تلقينا نبأ وفاة والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا ليه راجعون ، وإنا لفراقك يا عبد الله بن عبدالعزيز لمحزونون ، فعظم أجرنا وأجر الشعب السعودي والخليجي والعربي والإسلامي في الأب الحنون والقائد المظفر الذي يعرفه الفقير قبل الغني في مشارق الأرض ومغاربها ؛ لرحمته به وعطفه عليه ، وتشهد له الساحة العربية والعالمية بحكمته وصواب قراره ،،،
إنك يا خادم الحرمين وإن فارق جثمانك الدار الدنيا إلا أن التاريخ راغما سيبقيك في صفحاته المشرفة ، وستنسج عنك المشاعر أجمل القصيد ، وستبقى على كل الألسن المنصفة التي تتفق معك في الرؤية والهدف بأن همك الأول والأخير شعبك ورفاهيتهم وحفظهم واستقرارهم ….
أيها الفقيد الغالي إنك سليل أسرة مباركة تحب شعبها وتناضل من أجلهم خلفا وسلفا ، ونترحم على أولهم كما ندعو لآخرهم ، ولم نر منهم إلا العز والمجد والسؤدد ، ولكن يا خادم الحرمين حباك الله بصفات خلقية قل أن نجدها في سواك فكما عرفناك ملكا متواضعا عرفناك أسدا هصورا في القرارات والمواقف والذود عن وطنك وعن الأمة بأكملها ، وكما عرفناك تلقائيا في حديثك مع أبنائك أبناء شعبك إلا أننا وجدناك أيضا سريع الرد على الباطل وأهله . لقد سكن حبك في قلوب أطفال هذا الوطن قبل أن ترفع أكف الآباء لك بالدعاء “أن يطيل بقاءك ويسدد خطاك ويجعلك ذخرا لأمة الإسلام والمسلمين” …كيف لا وأنت من يردد ” يعلم الله أنكم في قلبي وأستمد قوتي من الله ثم منكم ، فلا تنسوني من دعواتكم ” ….لقد استعظمت المسؤولية فكانت هذه كلماتك ووقر حب شعبك في قلبك فستبقى في قلوبهم وإن طال زمان الالتقاء،،،
يا خادم البيتين ستبكيك مكة والمدينة جبالا ووديانا وزوارا ومنابر ومقدسات ، ستبكيك كل منطقة ومحافظة وهجرة ، سيبكيك كل طالب علم ومبتعث ، وأرملة ،ومطلقة، وفقير ،وعاجز ، ستبكيك التنمية التي قدتها والتطوير الذي كان برؤيتك وتحت رؤيتك ستبكيك مناهج التعليم ،ومنابر الإعلام ،ومنصات القضاء ..فمن من الأمة لم تذرف عيناه (على أبي متعب) الملك الشهم الرحيم العادل ؟!!!!
إن المشاريع الوطنية المتنوعة والمحافظة على المملكة في ساحات الاقتصاد العالمي في ظل العواصف العاتية والمحن المهلكة (التي كثيرا ما كشرت بأنيابها لتفتك بالأمن والسلام والاقتصاد) ستبكي هذه المشاريع والحرص المتنامي ، فقيد الشعب والأمة صاحب الرؤية الثاقبة والتوازن المعتدل والقرار الصائب ! لقد كنت مربيا بفكرك ومعلما بسلوكك وكان التعليم على قائمة أولوياتك وكنت تنظر إلى أبنائك وبناتك في وطن الخير والنماء ، أنهم السلاح الذي يحمي من تفشي الجهل وتخاض به غمار المنافسات العالمية ، فرسمت لهم رؤية تطويرية تعليمية قل أن يوجد لها مثيل ، وبذلت لها الغالي والنفيس ،وسيظل مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم شاهدا على مر العصور ، وسيكون لك من كل جائزة تحصدها المملكة العربية السعودية في مجال التعليم في الساحات الدولية وسام وتاج ..
لقد أصبحت رجلا عالميا بحبك للسلام والاعتدال ومعالجة الأوضاع والأزمات ، وشهد لك التاريخ وسيشهد بعد موتك أنك كنت خير من يمثل أمة الإسلام قولا وعملا في ضل الزعزعات الإقليمية والمحلية والعالمية ، وفي عصر اختلف محتواها عن سابقه من العصور ما بين تقنية صناعية ، وانبثاق رقمي ، وعولمة تحرك أجزاء العالم من شماله لجنوبه وشرقه لغربه . لقد كنت رجلا فذا بصيرا بحوادث الأمة ومقتضى مصالحاها وكانت مواقفك مشرفة في التعامل مع قضياها العالقة ،بالحلم والأناة ،والتروي ،والصبر، فجزاك الله عن أمة الإسلام خير الجزاء وجعل البركة في عقبك من الأخوة والأبناء ممن تولوا قيادة هذا البلد الذي نحسبه بإذن الله محفوظا ،منصورا ، مصانا، لما يقدمه من خدمة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها !
إن عزاءنا الوحيد في فقيدنا الغالي ما أنعم الله به على حكام هذه البلاد من حكمة وتفاهم وحب لمصلحة هذا الوطن والمواطن وما توارثه حكامها من حب للخير، وحفظ لمصالح الأمة ،ودعم لقضاياها العادلة ، والعمل ليل نهار على أمنها واستقرارها ، وسلاسة في انتقال المسؤوليات من السلف للخلف .
لقد كان عزاؤنا الملك سلمان بن عبد العزيز ،وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن ، وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نائف ، فنبارك لهم ونبايعهم ، سائلين المولى القدير أن يوفقهم في أداء هذه الأمانة وتحمل هذه المسؤولية ، وأن يحفظ وطننا من شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان ، وأن يجعل ما تحملوه من مسؤوليات في موازين حسناتهم .. ورحم الله خادم البيتين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأسكنه فسح جناته وألهمنا الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ….