لا أدري لماذا تنتشر هذه العادة في المدارس، «إذا عطش طالب وأراد الخروج من الفصل عطش كل الطلاب، وإذا احترقت مدرسة تكثر التماسات والحرائق في المدارس».
وحدها المدارس التي تتفرد دون غيرها من القطاعات بهذه الظاهرة، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، فالظواهر كثيرة والتقليد فيها بات السمة الأبرز في كل فعل وعمل وليس آخرها رقصة البطريق ومتصدر لا تكلمني.
هذا الحال يتكرر في كل المناطق، ولا يقتصر على الطلاب أو الطالبات، فلو صرخت معلمة تريد النقل لتعالت الصرخات من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب.
كلنا نتألم لحوادث المعلمات، ونزيف الدماء على الطرقات وما ينجم عنها من مآس وتشتت داخل الأسر، تختلف المسببات والحدث واحد يعلق دائما على حركة النقل السنوية.
في العام المنصرم تجاذبت الحديث مع مسؤول في وزارة التربية والتعليم حول اللائحة الجديدة لضوابط نقل المعلمين والمعلمات من ذوي الظروف الخاصة، والتي منحت المعلم والمعلمة إمكانية النقل إلى المنطقة التي يرغب النقل إليها وفق حالات محددة وعلى مدار العام.
كان يتحدث عن اللائحة وكأنها المنقذ الوحيد لمعضلة النقل الخارجي، وبادرته بالسؤال هل ستحقق الرغبات وتقضي على عمليات التحايل التي تتم في كل عام لكن الرد كان صادما بالنسبة لي، وضعت اللائحة للقضاء على التحايل «لك أن تتخيل أن الوزارة رصدت حالات طلاق لمعلمات بغية الحصول على النقل وبعد فترة يتضح من البيانات أنها عادت لزوجها وكان الطلاق هدفه الوحيد النقل من منطقة لمنطقة وفي ذلك تحايل تحت غطاء مخالف للشرع قبل النظام».
قبل أيام مضت، وتحت قبة الشورى، مداولات عدة أثناء مناقشة التقرير السنوي لوزارة التربية والتعليم حول حوادث المدارس وحوادث المعلمات وتأمين المقار التعليمية والخطر الذي يتربص بهن وتحول إلى مصدر قلق ورعب معتبرين أنه عامل تشويه خارجي.
فرغ النقاش بتوصية لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في المجلس، التي تنص على «إعادة العمل بضوابط الإقامة عند تعيين المعلمات للحد من التنقل اليومي لمقر العمل وما يترتب على ذلك من مخاطر» – لكن أحد الأعضاء رغم تأييده لهذه التوصية – خاطب المجلس: لا تكفي لأن المخاطر لا يجدي في حلها تعيين المعلمة في أقرب مكان إلى إقامتها، على افتراض إمكانية ذلك، وما لم يعالج أمر النقل العام والمدرسي (الخاص)، وبصورة جديدة وجذرية، ستظل المخاطر قائمة، وإن كانت المدرسة في المدينة أو القرية التي تقيم فيها المعلمة، بل هي قائمة في داخل المدرسة نفسها، ما لم يجر التغيير الجاد والتطوير الشامل لشبكة من العوامل المؤدية إلى تهديد سلامة المرأة، طالبة ومعلمة سواء تعلق الأمر بالنقل أو بتأمين المدارس، ووضع الآليات الحقيقية لمعالجة الأمر، ذلك التغيير والتطوير هما الكفيلان بتحقيق ما توخته اللجنة في توصياتها، بل هما المقدمة للوصول إلى ما تطالب به تلك التوصيات.
وبين كل ما يدار ويثار ويطرح أجزم أن وزارة التربية والتعليم لا تملك عصا سحرية لحل مشكلة النقل الخارجي للمعلمين والمعلمات بين يوم وليلة في ملف شائك وإرث كبير أصبح ملازما لهذه الوزارة ما لم تتحرك قدما نحو ورش عمل في المناطق لوضع النقاط على الحروف وتشاركهم وزارة التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية للتأسيس لخارطة مستقبلية تبنى على قواعد راسخة تدرس الاحتياج في كل منطقة ومقارنته بأعداد الخريجين والخريجات والتخصصات، بمعنى تعطي فيها الأولوية لأبناء المنطقة لسد الاحتياج وشغل الوظائف ومن ثم إعادة المعلمين والمعلمات لمناطقهم.
الخلل الذي طرأ أثناء سعودة وظائف المعلمين والمعلمات ما زال قائما، إذ تم إحلال السعوديين والسعوديات على وظائف كان يشغلها وافدون، لكن التخصصات ما زالت مفتوحة ومخرجاتها بأعداد كبيرة والنتائج عدم وجود احتياج، ونسب البطالة بين الجنسين في ازدياد مخيف وبشكل سنوي.
الوزارة وضعت الكثير من الأنظمة ومن بينها «حركة لم الشمل، الظروف الخاصة وغيرها»، لكنها لم تحقق هدف الاستقرار في داخل الأسرة مما يشكل خللا في البيئة التعليمية لا سيما أن محور العملية التربوية والتعليمية مشتت ذهنيا وأسريا وحان الوقت لوقف نزيف الدماء وإيجاد الحلول الجذرية لهذا المعاناة القديمة المتجددة في كل يوم.
* عبدالله الحارثي – صحيفة عكاظ
21/02/2014 2:57 م
نزيف المعلمات
وصلة دائمة لهذا المحتوى : http://www.m3llm.net/188930/